|
لن تجعلوا من شعبنا
|
شعبَ هنودٍ حُمرْ..
|
فنحنُ باقونَ هنا..
|
في هذه الأرضِ التي تلبسُ في معصمها
|
إسوارةً من زهرْ
|
فهذهِ بلادُنا..
|
فيها وُجدنا منذُ فجرِ العُمرْ
|
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعرْ
|
مشرِّشونَ نحنُ في خُلجانها
|
مثلَ حشيشِ البحرْ..
|
مشرِّشونَ نحنُ في تاريخها
|
في خُبزها المرقوقِ، في زيتونِها
|
في قمحِها المُصفرّْ
|
مشرِّشونَ نحنُ في وجدانِها
|
باقونَ في آذارها
|
باقونَ في نيسانِها
|
باقونَ كالحفرِ على صُلبانِها
|
باقونَ في نبيّها الكريمِ، في قُرآنها..
|
وفي الوصايا العشرْ..
|
2
|
لا تسكروا بالنصرْ…
|
إذا قتلتُم خالداً.. فسوفَ يأتي عمرْو
|
وإن سحقتُم وردةً..
|
فسوفَ يبقى العِطرْ
|
3
|
لأنَّ موسى قُطّعتْ يداهْ..
|
ولم يعُدْ يتقنُ فنَّ السحرْ..
|
لأنَّ موسى كُسرتْ عصاهْ
|
ولم يعُدْ بوسعهِ شقَّ مياهِ البحرْ
|
لأنكمْ لستمْ كأمريكا.. ولسنا كالهنودِ الحمرْ
|
فسوفَ تهلكونَ عن آخركمْ
|
فوقَ صحاري مصرْ…
|
4
|
المسجدُ الأقصى شهيدٌ جديدْ
|
نُضيفهُ إلى الحسابِ العتيقْ
|
وليستِ النارُ، وليسَ الحريقْ
|
سوى قناديلٍ تضيءُ الطريقْ
|
5
|
من قصبِ الغاباتْ
|
نخرجُ كالجنِّ لكمْ.. من قصبِ الغاباتْ
|
من رُزمِ البريدِ، من مقاعدِ الباصاتْ
|
من عُلبِ الدخانِ، من صفائحِ البنزينِ، من شواهدِ الأمواتْ
|
من الطباشيرِ، من الألواحِ، من ضفائرِ البناتْ
|
من خشبِ الصُّلبانِ، ومن أوعيةِ البخّورِ، من أغطيةِ الصلاةْ
|
من ورقِ المصحفِ نأتيكمْ
|
من السطورِ والآياتْ…
|
فنحنُ مبثوثونَ في الريحِ، وفي الماءِ، وفي النباتْ
|
ونحنُ معجونونَ بالألوانِ والأصواتْ..
|
لن تُفلتوا.. لن تُفلتوا..
|
فكلُّ بيتٍ فيهِ بندقيهْ
|
من ضفّةِ النيلِ إلى الفراتْ
|
6
|
لن تستريحوا معنا..
|
كلُّ قتيلٍ عندنا
|
يموتُ آلافاً من المراتْ…
|
7
|
إنتبهوا.. إنتبهوا…
|
أعمدةُ النورِ لها أظافرْ
|
وللشبابيكِ عيونٌ عشرْ
|
والموتُ في انتظاركم في كلِّ وجهٍ عابرٍ…
|
أو لفتةٍ.. أو خصرْ
|
الموتُ مخبوءٌ لكم.. في مشطِ كلِّ امرأةٍ..
|
وخصلةٍ من شعرْ..
|
8
|
يا آلَ إسرائيلَ.. لا يأخذْكم الغرورْ
|
عقاربُ الساعاتِ إن توقّفتْ، لا بدَّ أن تدورْ..
|
إنَّ اغتصابَ الأرضِ لا يُخيفنا
|
فالريشُ قد يسقطُ عن أجنحةِ النسورْ
|
والعطشُ الطويلُ لا يخيفنا
|
فالماءُ يبقى دائماً في باطنِ الصخورْ
|
هزمتمُ الجيوشَ.. إلا أنكم لم تهزموا الشعورْ
|
قطعتم الأشجارَ من رؤوسها.. وظلّتِ الجذورْ
|
9
|
ننصحُكم أن تقرأوا ما جاءَ في الزّبورْ
|
ننصحُكم أن تحملوا توراتَكم
|
وتتبعوا نبيَّكم للطورْ..
|
فما لكم خبزٌ هنا.. ولا لكم حضورْ
|
من بابِ كلِّ جامعٍ..
|
من خلفِ كلِّ منبرٍ مكسورْ
|
سيخرجُ الحجّاجُ ذاتَ ليلةٍ.. ويخرجُ المنصورْ
|
10
|
إنتظرونا دائماً..
|
في كلِّ ما لا يُنتظَرْ
|
فنحنُ في كلِّ المطاراتِ، وفي كلِّ بطاقاتِ السفرْ
|
نطلعُ في روما، وفي زوريخَ، من تحتِ الحجرْ
|
نطلعُ من خلفِ التماثيلِ وأحواضِ الزَّهرْ..
|
رجالُنا يأتونَ دونَ موعدٍ
|
في غضبِ الرعدِ، وزخاتِ المطرْ
|
يأتونَ في عباءةِ الرسولِ، أو سيفِ عُمرْ..
|
نساؤنا.. يرسمنَ أحزانَ فلسطينَ على دمعِ الشجرْ
|
يقبرنَ أطفالَ فلسطينَ، بوجدانِ البشرْ
|
يحملنَ أحجارَ فلسطينَ إلى أرضِ القمرْ..
|
11
|
لقد سرقتمْ وطناً..
|
فصفّقَ العالمُ للمغامرهْ
|
صادرتُمُ الألوفَ من بيوتنا
|
وبعتمُ الألوفَ من أطفالنا
|
فصفّقَ العالمُ للسماسرهْ..
|
سرقتُمُ الزيتَ من الكنائسِ
|
سرقتمُ المسيحَ من بيتهِ في الناصرهْ
|
فصفّقَ العالمُ للمغامرهْ
|
وتنصبونَ مأتماً..
|
إذا خطفنا طائرهْ
|
12
|
تذكروا.. تذكروا دائماً
|
بأنَّ أمريكا – على شأنها –
|
ليستْ هيَ اللهَ العزيزَ القديرْ
|
وأن أمريكا – على بأسها –
|
لن تمنعَ الطيورَ أن تطيرْ
|
قد تقتلُ الكبيرَ.. بارودةٌ
|
صغيرةٌ.. في يدِ طفلٍ صغيرْ
|
13
|
ما بيننا.. وبينكم.. لا ينتهي بعامْ
|
لا ينتهي بخمسةٍ.. أو عشرةٍ.. ولا بألفِ عامْ
|
طويلةٌ معاركُ التحريرِ كالصيامْ
|
ونحنُ باقونَ على صدوركمْ..
|
كالنقشِ في الرخامْ..
|
باقونَ في صوتِ المزاريبِ.. وفي أجنحةِ الحمامْ
|
باقونَ في ذاكرةِ الشمسِ، وفي دفاترِ الأيامْ
|
باقونَ في شيطنةِ الأولادِ.. في خربشةِ الأقلامْ
|
باقونَ في الخرائطِ الملوّنهْ
|
باقونَ في شعر امرئ القيس..
|
وفي شعر أبي تمّامْ..
|
باقونَ في شفاهِ من نحبّهمْ
|
باقونَ في مخارجِ الكلامْ..
|
14
|
موعدُنا حينَ يجيءُ المغيبْ
|
موعدُنا القادمُ في تل أبيبْ
|
"نصرٌ من اللهِ وفتحٌ قريبْ"
|
15
|
ليسَ حزيرانُ سوى يومٍ من الزمانْ
|
وأجملُ الورودِ ما ينبتُ في حديقةِ الأحزانْ..
|
16
|
للحزنِ أولادٌ سيكبرونْ..
|
للوجعِ الطويلِ أولادٌ سيكبرونْ
|
للأرضِ، للحاراتِ، للأبوابِ، أولادٌ سيكبرونْ
|
وهؤلاءِ كلّهمْ..
|
تجمّعوا منذُ ثلاثينَ سنهْ
|
في غُرفِ التحقيقِ، في مراكزِ البوليسِ، في السجونْ
|
تجمّعوا كالدمعِ في العيونْ
|
وهؤلاءِ كلّهم..
|
في أيِّ.. أيِّ لحظةٍ
|
من كلِّ أبوابِ فلسطينَ سيدخلونْ..
|
17
|
..وجاءَ في كتابهِ تعالى:
|
بأنكم من مصرَ تخرجونْ
|
وأنكمْ في تيهها، سوفَ تجوعونَ، وتعطشونْ
|
وأنكم ستعبدونَ العجلَ دونَ ربّكمْ
|
وأنكم بنعمةِ الله عليكم سوفَ تكفرونْ
|
وفي المناشير التي يحملُها رجالُنا
|
زِدنا على ما قالهُ تعالى:
|
سطرينِ آخرينْ:
|
ومن ذُرى الجولانِ تخرجونْ
|
وضفّةِ الأردنِّ تخرجونْ
|
بقوّةِ السلاحِ تخرجونْ..
|
18
|
سوفَ يموتُ الأعورُ الدجّالْ
|
سوفَ يموتُ الأعورُ الدجّالْ
|
ونحنُ باقونَ هنا، حدائقاً، وعطرَ برتقالْ
|
باقونَ فيما رسمَ اللهُ على دفاترِ الجبالْ
|
باقونَ في معاصرِ الزيتِ.. وفي الأنوالْ
|
في المدِّ.. في الجزرِ.. وفي الشروقِ والزوالْ
|
باقونَ في مراكبِ الصيدِ، وفي الأصدافِ، والرمالْ
|
باقونَ في قصائدِ الحبِّ، وفي قصائدِ النضالْ
|
باقونَ في الشعرِ، وفي الأزجالْ
|
باقونَ في عطرِ المناديلِ..
|
في (الدَّبكةِ) و (الموَّالْ)..
|
في القصصِ الشعبيِّ، والأمثالْ
|
باقونَ في الكوفيّةِ البيضاءِ، والعقالْ
|
باقونَ في مروءةِ الخيلِ، وفي مروءةِ الخيَّالْ
|
باقونَ في (المهباجِ) والبُنِّ، وفي تحيةِ الرجالِ للرجالْ
|
باقونَ في معاطفِ الجنودِ، في الجراحِ، في السُّعالْ
|
باقونَ في سنابلِ القمحِ، وفي نسائمِ الشمالْ
|
باقونَ في الصليبْ..
|
باقونَ في الهلالْ..
|
في ثورةِ الطلابِ، باقونَ، وفي معاولِ العمّالْ
|
باقونَ في خواتمِ الخطبةِ، في أسِرَّةِ الأطفالْ
|
باقونَ في الدموعْ..
|
باقونَ في الآمالْ
|
19
|
تسعونَ مليوناً من الأعرابِ خلفَ الأفقِ غاضبونْ
|
با ويلكمْ من ثأرهمْ..
|
يومَ من القمقمِ يطلعونْ..
|
20
|
لأنَّ هارونَ الرشيدَ ماتَ من زمانْ
|
ولم يعدْ في القصرِ غلمانٌ، ولا خصيانْ
|
لأنّنا مَن قتلناهُ، وأطعمناهُ للحيتانْ
|
لأنَّ هارونَ الرشيدَ لم يعُدْ إنسانْ
|
لأنَّهُ في تحتهِ الوثيرِ لا يعرفُ ما القدسَ.. وما بيسانْ
|
فقد قطعنا رأسهُ، أمسُ، وعلّقناهُ في بيسانْ
|
لأنَّ هارونَ الرشيدَ أرنبٌ جبانْ
|
فقد جعلنا قصرهُ قيادةَ الأركانْ..
|
21
|
ظلَّ الفلسطينيُّ أعواماً على الأبوابْ..
|
يشحذُ خبزَ العدلِ من موائدِ الذئابْ
|
ويشتكي عذابهُ للخالقِ التوَّابْ
|
وعندما.. أخرجَ من إسطبلهِ حصاناً
|
وزيَّتَ البارودةَ الملقاةَ في السردابْ
|
أصبحَ في مقدورهِ أن يبدأَ الحسابْ..
|
22
|
نحنُ الذينَ نرسمُ الخريطهْ
|
ونرسمُ السفوحَ والهضابْ..
|
نحنُ الذينَ نبدأُ المحاكمهْ
|
ونفرضُ الثوابَ والعقابْ..
|
23
|
العربُ الذين كانوا عندكم مصدّري أحلامْ
|
تحوّلوا بعدَ حزيرانَ إلى حقلٍ من الألغامْ
|
وانتقلت (هانوي) من مكانها..
|
وانتقلتْ فيتنامْ..
|
24
|
حدائقُ التاريخِ دوماً تزهرُ..
|
ففي ذُرى الأوراسِ قد ماجَ الشقيقُ الأحمرُ..
|
وفي صحاري ليبيا.. أورقَ غصنٌ أخضرُ..
|
والعربُ الذين قلتُم عنهمُ: تحجّروا
|
تغيّروا..
|
تغيّروا
|
25
|
أنا الفلسطينيُّ بعد رحلةِ الضياعِ والسّرابْ
|
أطلعُ كالعشبِ من الخرابْ
|
أضيءُ كالبرقِ على وجوهكمْ
|
أهطلُ كالسحابْ
|
أطلعُ كلَّ ليلةٍ..
|
من فسحةِ الدارِ، ومن مقابضِ الأبوابْ
|
من ورقِ التوتِ، ومن شجيرةِ اللبلابْ
|
من بركةِ الدارِ، ومن ثرثرةِ المزرابْ
|
أطلعُ من صوتِ أبي..
|
من وجهِ أمي الطيبِ الجذّابْ
|
أطلعُ من كلِّ العيونِ السودِ والأهدابْ
|
ومن شبابيكِ الحبيباتِ، ومن رسائلِ الأحبابْ
|
أفتحُ بابَ منزلي.
|
أدخلهُ. من غيرِ أن أنتظرَ الجوابْ
|
لأنني أنا.. السؤالُ والجوابْ
|
26
|
محاصرونَ أنتمُ بالحقدِ والكراهيهْ
|
فمن هنا جيشُ أبي عبيدةٍ
|
ومن هنا معاويهْ
|
سلامُكم ممزَّقٌ..
|
وبيتُكم مطوَّقٌ
|
كبيتِ أيِّ زانيهْ..
|
27
|
نأتي بكوفيّاتنا البيضاءِ والسوداءْ
|
نرسمُ فوقَ جلدكمْ إشارةَ الفداءْ
|
من رحمِ الأيامِ نأتي كانبثاقِ الماءْ
|
من خيمةِ الذُّل التي يعلكُها الهواءْ
|
من وجعِ الحسينِ نأتي.. من أسى فاطمةَ الزهراءْ
|
من أُحدٍ نأتي.. ومن بدرٍ.. ومن أحزانِ كربلاءْ
|
نأتي لكي نصحّحَ التاريخَ والأشياءْ
|
ونطمسَ الحروفَ..
|
إمرأة من زجاجبَراتْ
في الشوارعِ العبريّةِ الأسماء
جمل قصائد نزار قبانى
شقيقتي الكُبرى
يروِّعُني ..
|
شحوبُ شقيقتي الكُبرى
|
هي الأخرى
|
تُعاني ما أعانيهِ
|
تعيشُ الساعةَ الصِفْرا ..
|
تعاني عقدةً سوادء
|
تعصر قلبها عصرا
|
قطارُ الحُسنِ مرَّ بها
|
ولم يتركْ سوى الذكرى
|
ولم يترك من النهدينِ
|
إلا الليفَ والقِشرا
|
لقد بدأت سفينتها
|
تغوصُ .. وتلمسُ القعرا ..
|
أراقبها .. وقد جلستْ
|
بركنٍ ، تُصلحُ الشعرا
|
تصفعُهُ .. وتخربُهُ
|
وترسلُ زفرةً حرَّى
|
تلوبُ .. تلوبُ .. في الرُدُهاتِ ..
|
مثلَ ذبابة حيرى ..
|
وتقبعُ في محارتها
|
كنهرٍ . لم يجدْ مجرى ..
|
الكَلِمَاتْ .. بينَ أسنان رجال المُخَابَراتْ
|
وأخيراً .. شَرَّفُوني .
|
كان قلبي دائماً يُنْبِئُني ..
|
أَنَّهُم آتونَ …
|
كي يعتقلوا الكِلْمَةَ .. أو يَعْتَقِلُوني ..
|
ولِذَا .. ما فاجأُوني .
|
كَسَرُوا أبوابَ بيتي في جنيفٍ
|
لَوَّثوا ثَلْجَ سويسرا ..
|
ومراعيها .. وأسرابَ الحَمَامْ ..
|
وتَحدَّوا وطنَ الحُبِّ ، وإنجيلَ السَلامْ .
|
وَضَعُوا شِعْري بأكياسٍ ..
|
فهلْ شاهَدْتُمُ ؟
|
دولةً تَسْرُقُ عِطْرَ اليَاسَمينِ
|
يا لها مِنْ غَزْوَةٍ مُضحِكةٍ
|
سرقُوا حِبري ، وأَوراقي ، ولَمْ ..
|
يسرُقُوا النارَ التي تحت جَبيني
|
إنَّني أَسكنُ في ذاكرة الشَعْبِ ..
|
فَمَا هَمَّ .. إذا هُم سَرَقُوني ؟؟…
|
2
|
وأخيراً .. دَخَلُوا غُرْفَةَ نومي ..
|
واسْتَبَاحُوا حُرُماتي
|
بَعْثَرُوا أَغْطِيتي ..
|
شَمْشَمُوا أحْذِيَتي ..
|
فَتَحُوا أدْوِيَتي ..
|
دَلَقُوا مَحْبَرتي ..
|
رَقَصُوا فوقَ بياضِ الصَفَحَاتِ .
|
غَزْوةٌ تافهةٌ جدّاً .. ككُلِّ الغَزَوَاتِ
|
أيُّ عَصْرٍ عَرَبيٍّ ؟
|
ذلكَ العصرُ الذي أفْتَى بِقَتْلِ الكَلِمَاتِ ؟
|
أيُّ عَصْرٍ مَعْدَنيٍّ ؟
|
ذلكَ العَصْرُ الذي يَفْزَعُ من صوت العصافيرِ ،
|
وشَدْوِ القُبَّراتِ .
|
أيُّ عَصْرٍ لا يُسمَّى ؟
|
ذلك العصرُ الذي يَحْبِسُنَا
|
خلفَ أَسْوار اللُّغَاتِ .
|
أيُّ عَصْرٍ ماضَويٍٍّ .. فَوْضَويٍّ .. بَدَويٍّ ..
|
قَبَليٍّ .. سُلْطَويٍّ .. دَمَويٍّ ؟.
|
ذلك العصرُ الذي يُطْلِقُ النارَ عَلَيْنا
|
ثُمَّ يرمي جُثُثَ الكُتَّابِ ..
|
في قَعْر الدَوَاةِ ؟؟
|
3
|
وأَخيراً .. بَلَغُوني ..
|
أَنَّهُمْ كانُوا هُنَا ..
|
فلماذا بَلَّغوني ؟
|
إنَّني أعرِفُ بالفِطرَةِ أصواتَ بساطيرِ العَسَاكِرْ …
|
وأنا أعرفُ بالفِطْرَةِ ،
|
أوصَافَ ، وأَحْجَامَ ، وأسماءَ الخَنَاجِرْ ..
|
جَهَّزوا جيشاً خُرافيَّاً
|
لكي يَقْتَحِمُوا عُزْلَةَ شَاعِرْ ..
|
تَرَكُوا خَلْفَهُمُ الرُومَ .. لكيْ
|
يُعْلِنُوا الحَرْبَ على ريشةِ طَائِرْ ..
|
قَدِمُوا من آخِرِ العَالَمِ ،
|
حتَّى يسرُقُوا بَعْضَ الدَفَاترْ ..
|
آهِ .. كَمْ هُم أغبيَاءْ .
|
حينَ ظنُّوا أنَّهُمْ
|
يَقْتُلُونَ الشِعْرَ إنْ هُم قَتَلُوني …
|
لم أكُنْ أعرفُ ما حَجْمي ..
|
إلى أَنْ هاجَمُوني ذاتَ لَيْلَهْ ..
|
فتأكَّدتُ بأَنّي ..
|
شاعرٌ يُرْعِبُ دَوْلَهْ …
|
4
|
وأخيراً .. شَرَّفُوني
|
لم يكونوا مِنْ بلاد البَاسكِ..
|
أو من جيشِ إيْرلَنْدَا ..
|
ولا هُمْ من عِصَاباتِ شيكاغُو ..
|
إنَّني أعرِفُ مَنْ هُمْ غُرَمَائي ..
|
فلماذا أرْسَلُوا خَلْفي كلابَ الصَيد كي تَنْهَشني ؟
|
هل كلابُ الصَيدِ صارتْ ..
|
تَتَسلَّى عندنا في أكْلِ لَحْمِ الشُعَراءِ ؟؟
|
إنَّهُم يدرونَ أنَّ الشِعْرَ عندي .. هو فَنُّ الكِبْريَاءِ
|
وهُمُ يدرونَ أنْ لا أحداً نَفَضَ الغَبْرَةَ عَن كَعْبِ حِذَائي ...
|
وهُمُ يَدْرُون أنّي ..
|
لم أُقَدِّمْ لسوى اللهِ وَلائي …
|
5
|
وأخيراً .. شَرَّفُوني .
|
حاولوا أن يَفْتَحُوا ثُقْبَاً بتاريخي
|
وأَنْ يكْسِرُوا أنْفَ غُرُوري .
|
نَبَشُوا أَصْلي . وفَصْلي . وجُذُوري.
|
نَثَرُوا قُطنَ مِخَدَّاتي .. ونامُوا في سَريري .
|
قَرَأُوا كلَّ رِسَالَهْ ..
|
وبيانَاتِ المََصَارفْ .
|
بَحثُوا عن ئبر نَفْطٍ .. كُنْتُ قد خَبَّأتُهُ تحتَ الشَرَاشِفْ !!
|
حَاوَلُوا أن يَجدوني واقفاً في طوابير العَمَالَهْ ..
|
أَعَميلٌ أجنبيٌّ ؟ بَعْدَما حَفَرَ الحُزْنُ دُرُوباً في جَبيني
|
أَعَميلٌ أجنبيٌّ ؟ . بعدَما قدَّمْتُ رُوحي ..
|
للمَلايينِ .. وقَدَّمتُ عُيُوني …
|
6
|
حَاوَلُوا أن يُمْسِكُوني ..
|
وأنا أرهُنُ في السوق السياسيِّ ، ثيابي ..
|
حَاوَلُوا أن يضبِطُوني ..
|
وأنا أقْبِضُ أتعابي على بَيْتٍ من الشِعْر كَتَبْتُهْ ..
|
أو يُسمُّون إماماً واحداً كنتُ قَصَدتُهْ ..
|
حَاوَلُوا أن يَجدُوا لي صورةً، وأنا أرقُصُ في ديوانِ كِسْرى
|
أو أصبُّ الخَمْرَ في عُرْسِ ثريٍّ .. أو أميرِ ..
|
لم أكُنْ يوماً من الأيَّامِ طَبَّالاً ..
|
ولا زوَّرْتُ شِعْري .. وشُعُوري..
|
كانَ شِعْري دائماً أكْبَرَ من كلِّ كبيرِ ..
|
ليسَ عندي ذَهَبٌ .. أو فِضَّةٌ ..
|
يُسمعني.. حـينَ يراقصُني
|
كلماتٍ ليست كالكلمات
|
يأخذني من تحـتِ ذراعي
|
يزرعني في إحدى الغيمات
|
والمطـرُ الأسـودُ في عيني
|
يتساقـطُ زخاتٍ.. زخات
|
يحملـني معـهُ.. يحملـني
|
لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات
|
وأنا.. كالطفلـةِ في يـدهِ
|
كالريشةِ تحملها النسمـات
|
يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ
|
بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات
|
يهديني شمسـاً.. يهـديني
|
صيفاً.. وقطيـعَ سنونوَّات
|
يخـبرني.. أني تحفتـهُ
|
وأساوي آلافَ النجمات
|
و بأنـي كنـزٌ... وبأني
|
أجملُ ما شاهدَ من لوحات
|
يروي أشيـاءَ تدوخـني
|
تنسيني المرقصَ والخطوات
|
كلماتٍ تقلـبُ تاريخي
|
تجعلني امرأةً في لحظـات
|
يبني لي قصـراً من وهـمٍ
|
لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات
|
وأعودُ.. أعودُ لطـاولـتي
|
لا شيءَ معي.. إلا كلت
|
|
أدب .. الموسوعة العالمية للشعر العربي نزار قباني
|